(( ملاحظة من المجموعه 73 مؤرخين – نشرنا عده مرات أن الضابط فاروق
الفقي كان رئيس الفرع الهندسي لقوات الصاعقه ولم يكن مهندسا للانشاءات في
الدفاع الجوي كما أشيع ويكرر اشاعته في أي موضوع يتعلق بالجاسوسة هبه سليم ،
بل أننا نشرنا حوارات مع أبطال صاعقة كانوا شهود عيان علي القبض علي فاروق
الفقي واعدامة لاحقا ، ولا ندري السبب وراء تكرار معلومة أنه كان يشرف علي
انشاءات الدفاع الجوي في قناة السويس ))
وقد نجحت هبة سليم أن تقنع هذا
الشاب الذي أصبحت تتربع في قلبه وتستحوذ على عقله أنها تعمل – أيضاً – إلى
جانب دراستها في باريس مع منظمة دولية مقرها في باريس تهتم بوقف الحروب
والدعوة إلى السلام وصلت على موافقة منه على التعاون معها في هذا المجال
وطبعاً كان الثمن الفوري الذي تلقاه للانخراط معه في هذا العمل هو أن أتاح
له إشباع رغباته وغرائزه وشهواته التي طالما كان يحمل بها وبالتدريج وبعد
أن أصبح أسيراً لحبه لها وتمنى رضائها أخبرته أن هذه المنظمة التي تعمل
معها تراعها المخابرات الإسرائيلية وتوفر لها كل أسباب السرية والثقة
والأمان وأن التعاون معها مأمون ولا يستطيع أي مخلوق على ظهر الأرض أن يصل
إل كشف حقيقته.
ومع مزيد من الترغيب واستخدام كل المشهيات الغرائزية تم
إجهازها عليه وأحكمت السيطرة عليه ونجحت في أن تجنده للعمل لصالح المخابرات
الإسرائيلية طوعاً وأن يتعاون معها في هذا المجال ولأبعد الحدود حتى أنه
كان يمدها بأدق الأسرار العسكرية التي يصل غليها أولاً بأول ويجئ بالخرائط
يشرح لها التفاصيل، كما كانت تتلقى منه الإجابات عن أي استفسارات أو أسئلة
عن المعلومات العسكرية والأسرار الحربية التي تستشعر أنها مفيدة لإسرائيل.
وهكذا
بدأت المعلومات العسكرية السرية عن نشاط القوات المسلحة المصرية خاصة على
الضفة الغربية لقناة السويس تتداعى أمام بصر وسمع هبة سليم من عشيقها الذي
كان يتفانى في إخلاصه لها بكشف كل ما يصل غليه من معلومات عسكرية كما كانت
تتمنى هي أيضاً في استقلال فترة وجودها في زيارتها للقاهرة في توثيق
ارتباطها به ولم تضيع وقتاً فأرسلت خطاباً “لأدمون” بأنها أمضت وقتاً طيباً
مع أسرتها بالقاهرة وأنها ارتبطت بعريس رائع، وها الخطاب ما احتواه وعلى
الأخص كلمة “رائع” كان بالطبع يعني أخطار “أدمون” ضابط المخابرات
الإسرائيلية أن المهمة قد تمت أي تم تجنيد هذا الشاب ومن ثم كانت فرحة
“ادمون” وباقي ضباط المخابرات الإسرائيلية في تل أبيب لاتدانيها فرحة فقد
نجحوا في اصطياد عصفورين بحجر واحد وأن أحد العصفورين يمضي أيامه وعمله في
منطقة الضفة الغربية لقناة السويس بين العسكريين المصريين. حتى أن قادة
“الموساد” علقوا على عملية تجنيده بأنه أعظم عمل حققه جهاز “الموساد” في
اختراق القوات المسلحة المصرية في هذا التوقيت الهام والذي سيمكنهم أولاً
بأول منكشف نوايا مصر “مبكراً تجاه الاستعداد لأي حرب قادمة.
وحان موعد عودة هبة سليم إلى باريس، وتلقت من خطيبها الجاسوس وعدا بأن يحضر إلى باريس في رحلة سياحية لمدة قصيرة يلتقيان خلالها.
وما
أن عادت إلى باريس والتقت على الفور بضباط المخابرات الإسرائيلية “آدمون”
وقدمت له تقريراً عن نجاحها في قنص فريستها في القاهرة كما قدمت كافة
المعلومات التي حصلت عليها من هذا الشاب خاصة المعلومات العسكرية الدقيقة
التي كانت تشكل نجاحاً باهراً للمخابرات الإسرائيلية في هذا التوقيت بالذات
وفي نفس اللقاء قدم لها “آدمون” شيكاً بعشرة آلاف فرنك فرنسي كما وعدها
بتقديم كل ما يجعل حياتها سواء في باريس أو القاهرة حياة رغدة وسعيدة.
ولكنها رفضت أن تتقاضى أية مبالغ مالية وشكرته، وقبلت فقط أن تتحمل
المخابرات الإسرائيلية تكاليف سفره قادمة لها إلى القاهرة بعد ثلاثة أشهر
أو أقل كما اقترح على آدمون أن تدعو خطيبها الجاسوس في رحلة سياحية إلى
باريس بعد شهر أو شهران من الآن. وهنا علق ضابط المخابرات الإسرائيلي
“أدمون” بأنه يفضل إلا يأتي عريسها إلى باريس في هذه المرحلة حتى لا يلفت
النظر إلى سفره للخارج، بل ويفضل – أي آدمون – أن تسافر هي – أي هبة سليم –
إلى القاهرة كل فترة للحصول على مزيد من المعلومات منه مع حمل هدايا له
تتكفل بها المخابرات الإسرائيلية، وأن عليها أن تركز كل أهدافه في هذه
القدرة على كشف أية استعدادات المصريين في قناة السويس من خلال جاسوسه التي
نجحت في تجنيده وتحديد ما إذا كان الجيش المصري يتهيأ وبعد العدة لجولة
قادمة مع إسرائيل من عدمه.
وفي ثاني سفرية لها لزيارة القاهرة نجحت في
الحصول على المعلومات الدقيقة للغاية عن مباني القواعد المسلحة التي كانت
تعد لإطلاق الصواريخ المضادة للطائرات – سام 6-منها الأمر الذي أتاح
للطائرات الإسرائيلية أن تقصف هذه القواعد قبل أن يجف الأسمنت المسلح
بالإضافة إلى ما كان يصاحب ذلك القذف من خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات
ومع تكرار هذا العمل العدواني من الطائرات الإسرائيلية توقف العمل تماماً
إيقافاً مؤقتاً في إنجاز بعض مراحل حائط الصواريخ المضادة للطائرات
الإسرائيلية.
(( ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين – خطأ تاريخي أخر مقصود –
المعلومة التي بلغها فاروق الفقي – موعد اجتماع عدد كبير من ضباط الصاعقه
في مدرج بأحد مباني مدرسة الصاعقة ، وبالفعل تم مهاجمة المدرسة في التوقيت
المحدد لكن كانت المحاضره قد انتهت مبكرا ربع ساعة تقريبا ، ونجا عدد كبير
من رجال الصاعقه من موت محتم ))
التقاط أول خيط:
وبرصد وتحليل هذه الوقائع الخطيرة من جانب
المخابرات العامة المصرية وعلى رأسها جهاز مقاومة التجسس انتهى التقييم إلى
أن هذه الدقة المتناهية لتحديد مواقع العمل على الضفة لمواقع الصواريخ
المضادة للطائرات إنما هو نتاج عمل للمخابرات الإسرائيلية، الموساد، من
خلال أحد عملائها والمتواجد بالمنطقة وهنا وضعت كافة الإمكانات وحشت الجهود
الحرفية والمهنية والتقنية لضباط مقاومة التجسس في المخابرات العامة
المصرية (( ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين – المقصود هنا عملية ضرب مدرسة
الصاعقة ))
وخضع لهذا البحث كل من كان يتردد على المواقع العسكرية بطول خط الضفة
الغربية لقناة السويس سوءا من العسكريين بجميع فئاتهم ودرجاتهم ومساعديهم
ولم يستثنى أحد منهم على الإطلاق علت رتبة أو قلت، كما شمل أيضاً عمليات
البحث والتقصي جميع العناصر المدنية التي تتردد على هذه المواقع على مدار
الـ 24 ساعة يومياً، كانت النتائج تجيئ مؤكدة لوطنيتهم وولائهم لوطنهم إلا
عدداً محدوداً ضاقت دائرة الشك حولهم شيئا فشيئاً حتى نجح أحد ضباط مقاومة
التجسس في جهاز المخابرات العامة المصرية إلى حصر شخص واحد أحكمت عليه
دائرة الشك – الحمراء – مما يعين اشتباه بدرجة عالية جداً –إلى أن سقط في
قبضة المخابرات العامة المصرية دليلاً مادياً – كان بلا جدال الضالة
المفقودة – وتركزت عليه كل الجهود المضنية ليل نهار مع اتجاه التوقعات
الأولية لجهاز مقاومة التجسس من أننا أمام عميل بتجسس لحساب دولة أجنبية لم
تحدد هويتها بعد وإن كانت كل الشواهد تؤكد أن وراء هذه العملية جهاز
“الموساد” الإسرائيلي.
(( ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين – تم رصد خطاب
شفري لفاروق الفقي تحمل ملاحظات اجتماع تم في القوات البحرية حضره فاروق
الفقي وخمسة ضباط من الصاعقة والبحرية فقط ، لذلك تم حصر الاشتباة في هؤلاء
الخمسة ووضعهم تحت المراقبة المشددة مع ابعادهم عن أي تطورات في العلميات
الحربية ، مع وقف أي عمليات للقوات الخاصة ونشر معلومات عن عمليات وهمية
))
كان هذا الدليل للافت للنظر جملة مفيدة تتكون من عدة كلمات لم تكن
تنسجم ولا تتفق مع سياق باقي حديث عاطفي بكل المعاني العاطفية وجاءت على
نحو محدد: (( لقد انتهيت من تركيب إيريال – هوائي – كبير – للراديو هنا ))
وسمت دائرة التحليل والتقييم إلى أن هذه الجملة الخبرية تعني أن هذا
الإخطار بتركيب هوائي كبير إما هو من المستلزمات اللازمة لراديو أو جهاز
إرسال على درجة كبيرة من الحساسية. وهذا بالطبع معروفاً في مجال أعمال
التجسس وأنه قد يعني – بالضرورة – أننا أمام شخص يمتلك جهاز إرسال واستقبال
سواء من خلال راديو حساس أومن خلال جهاز إرسال واستقبال لاسلكي، ومما قوى
هذا التحليل أن استخدام الراديو كان في هذه الفترة لا يحظى بنفس الجذب
الإعلامي الذي كان التليفزيون يحكى به.
ثم ما هي الأهمية البالغة التي
تجعل من قام بكتابة هذه الجملة الخبرية أن يؤكدها ويزفها إلى مُستقبل
الخطاب العاطفي- إذن نحن أمام ملامح وجزء من معطيات مشروع تجسس يتشكل بناؤه
الآن.
الخطط السرية في كل اتجاه:
وعلى الفور وضعت خطط عمل سرية
تتضمن ضرورة الوفاء بعدة متطلبات على وجه السرعة والدقة أهمها تحديد
معلومات كافية عن صاحب الخطاب المرسل للخارج والذي يحتوى هذه الجملة غير
المتناسقة مع سياق باقي مضمون الخطاب، ومضت أيام قليلة وجاءت النتائج
المضنية بتحديد دقيق لشخصية مرسل الخطاب وأكدت المعاينة السرية للمبنى الذي
يقيم فيه أنه بالفعل يوجد إيريال هوائي طول يتربع على سطح المبنى مما زاد
من الشكوك حول هذا الموضوع، كما تم تحديد بدقة بالغة الجهة التي يعمل بها
وهي تتيح للعاملين بها حرية التنقل في أي وقت في المناطق والأماكن العسكرية
بحكم أداء مهامها. (( ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين – المقصود هنا قوات
الصاعقة ))
وأمام هذه المعلومات بات الأمر على درجة كبيرة من الحساسية
وزادت مخاطر حساب الناتج لو اتهم هذا الشخص بالعمالة والتجسس لحساب جهاز
مخابرات عدو دون أن يثبت صحة ذلك. وعلى الفور عقد اجتماعات سرية متعددة بل
وصدرت تعليمات صارمة بحظر العلم بهذه المعلومات في أضيق نطاق وبحيث لا يمكن
تسريبها وأخطر اللواء أحمد إسماعيل. رئيس المخابرات العامة المصرية –
آنذاك – بما وصلت إليه نتائج الأعمال السرية التي تمت حتى اللحظة، وانتهى
الأمر بعد فقترة زمنية قصيرة للغاية تم خلالها تقييم الموقف بدقة بالغة
ورؤى استمرار المتابعة السرية والعمل بسرعة بالغة على اختراق حياة هذه
الشخصية لوضع النقط على الحروف حتى يتسنى الانتقال إلى مرحلة أخرى من
المتابعة السرية.
وبالفعل تواصلت جهود المتابعة وخاصة ما تعلق منها
بمراقبة نشاط هذا الشخص على مدار أربعة وعشرين ساعة يومياً والذي اتضح فيها
أن عمله في غاية الحساسية، بل ويتيح له الاطلاع ومعرفة أدق الأسرار
العسكرية، وما يجري على مسرح العمليات المنتظر في خط قناة السويس، وهكذا تم
الربط بينه وبين ما يجري من عمليات مهاجمة الطائرات لقصف مباني منصات
الصواريخ التي كانت تبنى ضمن خطة حائط الصواريخ الذي كان يجري إعداده
لاصطياد الطائرات الإسرائيلية الحربية عندما يحين وقت المعركة القادمة،
وانتهى الأمر إلى أن جهاز المخابرات الإسرائيلي هو المستفيد الوحيد، ومن ثم
فو الذي يقف خلف نشاط هذا العميل.
وعلى الجانب الآخر كانت هبة سليم
تعيش في باريس حياة منطلقة تمارس كل ما يخطر على بال حتى العلاقات الشاذة
مع بعض صديقاتها، وتخلل ذلك قيامها بعدد محدود من السفريات إلى القاهرة
تمكنت خلالها من تدريب خطيبها الجاسوس على استخدام راديو على درجة عالية من
الحساسية في استقبال وإرسال الرسائل السرية وزودته بكود التراسل بحيث تكون
هذه الوسيلة هي الوسيلة الرئيسية في التراسل السري بينهما وتحدث مواعيد
الاستقبال والإرسال أسبوعياً أما لقاءات هبة سليم بخطيبها العميل خلال
حضورها للقاهرة فتعتبر وسيلة تبادلية تحصل من خلالها على مزيد من المعلومات
عند لقائها به، بل ويكون بإمكانها مناقشته في أي نقطة أو احتياج قد تطلب
المخابرات الإسرائيلية عنه مزيداً من المعلومات أو التوضيحات، كذلك يمكن من
خلال هبة سليم أن يتم نقل صور الخرائط العسكرية الميدانية إلى المخابرات
الإسرائيلية ولسوف نرى فيما بعد كيف استفادت المخابرات الإسرائيلية من
استغلال هذه الوسائل في الاتصالات السرية بين هبة سليم، وخطيبها العميل
وذلك لمزيد من خداع المخابرات الإسرائيلية وتزويدها بمعلومات مزيفة.
زيارة سرية لإسرائيل:
وفي
ذات يوم دعا ضباط المخابرات الإسرائيلية “آدمون” هبة سليم على عشاء فاخر
في أحد مطاعم باريس الفاخرة وحال لقاءهم أخبرها أن رئيسة وزراء إسرائيل
جولدا مائير يسعدها أن تدعوها إلى زيارة سرية لإسرائيل لتتمكن من تقديم
الشكر لها باسم حكومة وشعب إسرائيل على تعاونها، وقبلت هبة سليم الدعوة
بسعادة بالغة، وتم تحديد موعد الزيارة.
وما أن وطئت قدما هبة سليم أرض
مطار بن جوريون في زيارتها السرية لإسرائيل إلا ووجدت مراسم استقبال V.I.P
وكأنها رئيسة إحدى الدول فقد رافق طائرتها عند دخولها المجال الجوي
الإسرائيلي سرب من الطائرات الحربية الإسرائيلية، حتى هبطت الطائرة أرض
المطار حيث كانت في استقبالها عدة من بعض كبار قادة الموساد وعلى رأسهم
“مائير عميت” رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية “الموساد” وعدد أخر
من القاده يقفون مصطفين لاستقبالها في إحدى القاعات السرية بالمطار مرحبين
بقدومها وما أن حل موعد مقابلتها لجولدا مائير حملتها سيارة (ليموزين
فاخرة) إلى لقاء سري برئيسة وزراء إسرائيل – آنذاك- جولدا مائير التي رحبت
بها بشدة ورددت لها عبارات الشكر والتقدير والعرفان على ما قدمته لإسرائيل
من معاونة وأضافت لها أن إسرائيل يسعدها أن تستقبلك في أي وقت تشائين كما
قدمت لها هدية رمزية تقديراً لها ودعتها إلى البقاء لمدة ثلاثة أيام في
ضيافة رئيسة وزراء إسرائيل استقبلها خلالها أيضاً رئيس جهاز الموساد
الإسرائيلي (مائير عاميت) وأقام لها حفل استقبال حضره عدد محدود من قادة
الموسادة معبرين لها شكر إسرائيل لها على أدائها ونجاحها الرائع. وبانتهاء
الزيارة عادت هبة سليم إلى باريس وفي داخلها رغبة جامحة بأن تتفانى في خدمة
إسرائيل على حساب خيانتها لوطنها مصر.
الدائرة تضيق على الثنائي الجاسوس:
وبعد
أن تكشفت كل الحقائق وتم تحديد الشخص العميل الذي يتعاون مع جهاز الموساد
الإسرائيلي في طعن مصر والغدر بهذا الوطن الذي رباه وأطعمه وكفل له حياة
سعيدة لا ينقصها أي شيء وبعد أن تم تحديد خطيبته الباريسية الهوى التي كانت
العامل الرئيسي والأساسي في جره إلى خيانة وطنه.
وبعد توافر المزيد من
الأدلة المادية الناطقة بالحقيقة من خلال متابعة سرية شملت اختراق كل جوانب
حياته تم إعداد مذكرة شاملة لكل جوانب الموضوع في القاهرة وباريس قامت
المخابرات العامة بإعدادها وعرضها على الرئيس أنور السادات، وكان أهم ما
تضمنته هذه المذكرة: هو ضرورة إزاحة هذين العميلين من على مسرح الأحداث
لخطورة ما يحصلون عليه من معلومات خطيرة خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من
فترة إعداد الدولة للحرب وتهيئة القوات المسلحة المصرية واستكمال أعمالها
على الضفة الغربية لقناة السويس في بناء حائط الصواريخ، وأن استمرار نشاط
هذا الثنائي العميل من شأنه أن يقدم دليل مادي قوي من شاهد عيان يثبت أن
مصر تتهيأ وتستعد وتعد العدة لحرب وشيكة بين مصر وإسرائيل، وهذا ما قد يفسد
خطة الخداع الاستراتيجي التي كانت الدولة كلها بدءاً من رئيس الجمهورية
ومروراً بالقوات المسلحة وجميع أجهزة الدولة تنتهجها، وبعد موافقة القيادة
السياسية على إنهاء العملية في الوقت المناسب وضرورة القبض على العميلين.
سقوط الجاسوس:
صعدت
وشددت المخابرات العامة المصرية من إجراءات خطة السيطرة الكاملة على نشاط
هذا الثنائي العميل مع ضرورة الاستفادة الكاملة والإيجابية من إمكانية
تدعيم خطة الخداع الاستراتيجي التي كانت رئاسة الدولة والقوات المسلحة
المصرية تمارسها منذ فترة ومن ثم فقد رؤى أن يتم التعامل أولاً مع الخطيب
الجاسوس لتحقيق أكبر استفادة ممكنة في خداع المخابرات الإسرايلية، ومن ثم
تم إخطار اللواء فؤاد نصار رئيس المخابرات الحربية وبحقيقة نشاط الجاسوس
وأن الأمر يستدعي إلقاء القبض عليه فوراً، ويا لها من صدمة ومفاجئأة كبرى
تلقاها، وعلى الفور تم أخذ عدة إجراءات في غاية السرعة والسرية بالتنسيق
الكامل مع عدد محدود للغاية من ضباط القوات المسلحة وتم استدراج الجاسوس
بالحضور إلى القاهرة حيث كان في ذلك الوقت في مهمة عمل في منطقة قناة
السويس – على مسرح العمليات المنتظر – وتم إلقاء القبض عليه واقتياده إلى
مكان الاحجاز السري بالمخابرات العامة المصرية، وقد تلاحظ أن هذا الجاسوس
فور القبض عليه أبدى دهشة بالغة للمفاجأة وعلق مستسلماً وموجهاً كلامه
لضباط مقاومة التجسس – هو انتوا عرفتوا ؟. وقرر أنه كان لا يشك لحظة في إنه
سيكشف أمره، كما أبدى تعليلاً ساذجاً بأنه كان لا يتصور أن مصر ستستطيع أن
تتخذ أي قرار بالحرب ضد إسرائيل، كما علق “أنا مستعد الآن أن أتعاون معكم
لأقصى درجة.”
(( ملاحظه من المجموعة 73 مؤرخين – تم أستدعاء العميد نبيل
شكري الي مبني القياده العامة بشكل مفاجئ ، ووجد مدير المخابرات الحربية
وضباط مخابرات عامة أطلعوة علي نتائج التحقيقات ، وطلبوا منة عمل أتصال
هاتفي بالمقدم فاروق الفقي رئيس الفرع الهندسي لقوات الصاعقة ، وتم الاتصال
واستدعاة العميد نبيل شكري لمبني القياده العامه لمناقشة بعض التفاصيل
الخاصه بأحتياجات قوات الصاعقة الهندسية في الحرب القادمه ، وعندما حضر
المقدم فاروق – تم القبض علية وكان أول ما قالة امام الجميع ( هبة ملهاش
دعوة ) وتلك الواقعه رواها اللواء نبيل شكري للمجموعة 73 مؤرخين في حوارهم
مع سيادته 2015 ))
ممارسة جزء من خطة الخداع الاستراتيجي:
وعلى الفور بدأت
المخابرات العامة المصرية من خلال عناصرها الفنية المدربة على أعلى درجة
الحرفية والمهنية من استغلال هذا الصيد الثمين في ممارسة مزيد من خدع
المخابرات الإسرائيلية من خلال استغلال هذا العميل الذي سقط في يدها،
والواقع أن المخابرات المصرية كثيراً ما مارست هذا الأسلوب في قضايا تجسس
سابقة خاصة مع المخابرات الإسرائيلية وحققت نجاحاً باهراً ومن ثم فقد أحضر
الجاسوس وأمر أن يستمر في مراسلة جهاز الموساد الإسرائيلي في التوقيعات
المعتادة وبدأ بممارسة أداء هذا العمل تحت إشراف العناصر الفنية والمهنية
المدربة جيداً بالمخابرات العامة المصرية على أداء هذه المهام ومتابعتها
واستغلت هذه الاتصالات السرية بين الجاسوس، وجهاز “الموساد” عبر الجاسوسة
هبة سليم بباريس في تمرير العديد من المعلومات المزيفة والخاطئة إلى
المخابرات الإسرائيلية والتي كان من شأنها تثبيت وتأكيد مفهوم أن مصر لا
تنوي مهاجمة خط بارليف، وأن ما يجري من عمليات القوات الخاصة المصرية –
خلال حرب الاستنزاف – إنما هي لأغراض الاستهلاك المحلي ولصرف وشغل انتباه
الجبهة الداخلية المصرية عن المطالبة بالحرب
وهكذا استمرت هذه الاتصالات
السرية الخداعية بين “الموساد” وعميله في القاهرة لفترة استطاعت فيها
المخابرات العامة المصرية أن تتعرف على نوعية ماهية الاحتياجات التي كانت
تهتم المخابرات الإسرائيلية بمعرفتها من خلال عمليها في هذه الفترة.
خطة استدراج الجاسوسة لمصر:
وفي
نفس التوقيت – والتوازي – وضعت المخابرات العامة المصرية خطة سرية
لاستدراج الجاسوسة هبة سليم من فرنسا إلى القاهرة وبدراسة الموقف استقر
سيناريو الاستدراج على سفر فريق من الضباط إلى ليبيا حيث تم التنسيق الكامل
مع السلطات الليبية – والتي أبدت تعاوناً كاملاً – وتم الاتصال بوالد
الجاسوسة والذي كان يعمل في ليبيا في هذا التوقيت وتم إقناعه أن المخابرات
المصرية وصل إلى علمها من مصادر موثوق بها ومن أدلة كافية أن ابنته متورطة
الآن في الاشتراك مع مجموعة من العناصر الفلسطينية في فرنسا للاستعداد
للقيام بخطف طائرة ركاب من مطار أورلي بباريس والتهديد بنسفها إذا لم يتم
الاستجابة لمطالبهم، وأن هذا الأمر فيما لو تم سيشكل خطورة على حياتها
بالإضافة إلى أنه سيشكل تورطاً بالغاً وإحراجاً لمصر في هذه الفترة الحرجة،
وأن المطلوب منه أن يتعاون تعاوناً كاملاً لإنقاذ حياة ابنته التي غرر بها
دون ان تتحسب العواقب الوخيمة المترتبة على هذا العمل وأن المهم الآن هو
سرعة مغادرتها لباريس حفاظاً على حياتها.
والحق أن والدها أبدى تجاوباً
كاملاً وامتثل لكل ما طلب منه وعلى الفور تم إدخاله إحدى مستشفيات طرابلس
وحجرت له غرفة في قسم العناية المركزية لأمراض القلب والأوعية الدموية، وتم
التنسيق مع عدد من الأطباء المسئولين عن هذا القسم، وكان لحسن الحظ بعضهم
من المصريين الوطنيين الشرفاء الذين أبدوا تجاوباً كبيراً في تنفيذ كل ما
طلبهم منهم، وكان هذا الإجراء الذي اتخذ بإدخاله المستشفى إنما كان تحسباً
لإمكان قيام “الموساد” بعمل تحريات سرية للتأكد من صدق الرواية من عدمه،
وكان هذا تحسباً رائعاً للمخابرات المصرية لا يهمل قوة الخصم وما قد يصدر
عنه من تصرفات في هذا الموقف الطارئ.
وبدء على الفور في إرسال برقة عجلة
لابنته في باريس تحت إشراف المخابرات المصرية مفادها أنه أصيب بذبحة صدرية
خطيرة للمرة الثانية، وأنه يطلب منها العودة فوراً إليه في ليبيا للإشراف
على علاجه حيث أنه يخضع للعلاج الآن في أحد مستشفيات طرابلس، ولم يمضي وقت
طويل وجاء الرد من ابنته تطلب منه سرعة مغادرته طرابلس إلى باريس حيث أنها
قد حجزت له في مستشفى “جوستاف روسية” في باريس “وأن سيارة إسعاف ستكون في
انتظاره بالمطار وشددت على الإسراع في السفر، ولكن سرعان ما رد والدها في
برقية لاحقة وعاجلة أنه لا يستطيع المغادرة نظراً لخطورة حالته.
الموساد يبتلع الطعم:
وعلى
الجانب الآخر في باريس كان ضابط المخابرات الإسرائيلية “آدمون” يتابع مع
هبة سليم الموقف أولاً بأول واقترح عليها أن تؤجل سفرها إلى طرابلس في
ليبيا 24 ساعة ووافقت بعد أن أفهمها “آدمون” أنه سيرسل على الفور من يتحقق
من صدق البرقيات الواردة إليها في باريس بخصوص والدها.
وفي أقل من المدة
المحددة أخطرها “آدمون بموافقته على سفرها إلى طرابلس وأفادها أنه تحقق من
صدق البرقيات الواردة لها وطلب منها أن تقرر أيهما أفضل لحالة والدها: أن
تعون به إلى القاهرة حيث يوجد بالقاهرة أطباء مشهود لهم علمياً بالكفاءة في
هذا التخصص أو أن تعود به إلى باريس وترك لها حرية الاختيار طبقا لحالة
والدها الصحية .
ونجحت خطة المخابرات المصرية ابتلعت الجاسوسية “والموساد” الطعم
وردت ببرقية سريعة على والدها بأنها تجري إجراءات حجز السفر لتكون على أول
طائرة تصل إلى طرابلس غداً واتخذت المخابرات المصرية بالتعاون مع السلطات
الليبية عدة إجراءات تأمينية تحسباً لاحتمال أن تكون الفتاة الجاسوسة قد
قدمت ويصاحبها على الطائرة عدد من الـ (Counter) أي من يكونوا قد حضروا
لتأمينها ويكون من ضمن مهامه اغتيالها إذا ما تأكد من احتمال سقوطها في
قبضة أي جهاز مخابرات وعلى الأخص المخابرات المصرية.
واتخذ ضباط
المخابرات العامة المصرية أماكنهم على “ترمك” المطار مرتدين لباس مسئولي
استقبال وإنزال الطائرة وإرشادها إلى حيث المكان المحدد لوقوفها، وهكذا بدأ
المشهد لمن يتابعه من شباك الطائرة مشهداً عادياً لا يوحي بأي إجراءات غير
عادية، ونجحت خطة المخابرات المصرية واستقرت الطائرة في مكانها، واستقرت
أيضاً في التو واللحظة قلوب ضباط المخابرات العامة المصرية عادت إلى سرعة
ضرباتها العادية وتهللت قلوب الجميع وأفواههم بالدعاء بالشكر لله.
وما
أن اقترب سلم النزول من باب الطائرة والذي فتح على الفور بدأ الركاب في
النزول الواحد تلو الآخر حتى ظهرت هبة سليم وواصلت هبوطها لسلم الطائرة
وعيون رجال المخابرات المصرية ترقمها وتصاحبها في كل نقلة قدم هي ومن يكون
تالياً لها في دور النزول من على سلم الطائرة تحسباً لأي شيء، وما أن لمست
قدماها أرض المطار فوجدت اثنان من الرجال على جانبيها وبدأت أحدهما مخاطباً
إياها “حمداً لله على السلامة هبة وهنا حاولت أن تتوقف لتستفسر من أنتم؟
وسرعان ما التقط الرجلان يدها مترجلين بها لبضع خطوات في اتجاه طائرة أخرى
كانت تقف على بعد أمتار قليلة من طائرة الوصول وعلى جانبيها رسم علم
جمهورية مصر العربية، وفي خلال الخطوات أعربوا لها أن خطيبها ينتظرها في
القاهرة وأنها الآن بصحبة رجال المخابرات العامة المصرية. وما هي إلا ثوان
ومن هول الصدمة بدأ عليها أنها تترنح للوقوع على الأرض، ولكن سرعان ما قدمت
لها المساعدة لتواصل سيرها على صعود الطائرة المصرية التي كانت في
انتظارها وبعد أقل من ساعتين كانت تهبط سلم الطائرة، وقد وضعت كلتا يديها
في الأسورة الحديدية التي دائماً تكبل أيادي المجرمين، وعلى الفور حملت في
سيارة خاصة غادرت مطار القاهرة في سرية تامة إلى حيث استقر مقامها في أ؛دى
“زنزانات” التحقيق داخل المخابرات العامة المصرية وبعد أقل من ساعة كانت
هناك رسالة مشفرة قد خرجت من القاهرة إلى باريس – تحت إشراف المخابرات
العامة المصرية مضمونها : من المقدم/ فاروق عبد الحميد الفقي إلى “آدمون”
أنا وهبة الآن في قبضة المخابرات العامة المصرية وقد تمت هذه الرسالة من
خلال استخدام (الجملة الشفرية) المتفق عليها مع آدمون “للاتصال السري بين
فاروق عبد الحميد الفقي، وآدمون في حال الأمور الخطيرة والعاجلة.
النهاية المحتومة لكل خائن:
وهكذا
اتخذ كل من الثنائي الجاسوس فاروق عبد الحميد الفقي، وهبة عبد الرحمن عامر
سليمان سليم موقعهما في زنزانتين منفصلتين في المخابرات العامة المصرية
طوال فترة الاستجواب الفني والتحقيق معهما وما أن انتهى التحقيق اقتيد كل
منهما إلى حيث حوكم قضائياً وصدر حكم القضاء المصري العادل في حق فاروق عبد
الحميد الفقي بالإعدام رمياً بالرصاص، وبحق هبة عبد الرحمن عامر سليمان
بالإعدام شنقاً، ولم يشفع لهما ما قدماه من التماسات لرئيس الجمهورية
بالعفو عنهما. فكان جزاءهم هو الجزاء المستحق لكل خائن لمصر. وأسدل الستار
على هذه القضية التي تعد من أروع ما سقط من قضايا التجسس في قبضة المخابرات
العامة المصرية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ مصر وهي تستعد لحرب وشيكة
مع إسرائيل لتحرير سيناء المحتلة – آنذاك- وهكذا عاد العمل بدية ونشاط
لاستكمال بناء وتجهيز حائط الصواريخ على الضفة الغربية لقناة السويس.
عزيزي هنري
ونود هنا أن نشير إلى أن هنري كيسنجر وزر خارجية
الولايات المتحدة الأمريكية في أول زيارة له بعد انتهاء حرب السادس من
أكتوبر وخلال مباحثاته التي أجراها مع الرئيس الراحل أنور السادات أثناء
وجوده في استراحة الرئاسة في أسوان أخبر الرئيس أنه يحمل رسالة – وصمت هنري
كيسنجر قليلاً ليتبين مردود الرئيس – رجاء إلى الريس من رئيسة وزراء
إسرائيل السيدة/ جولدا مائير وكان الرئيس في أثناء ذلك يجلس على كرسي من
الخيرزان ويمسك بيده اليسري “غليون” ويتمايل قليلاً للأمام وقليلاً للخلف
وذهنه في غاية الصفوة والنشاط فهو يستمتع لثعلب الخارجية الأمريكية
ومخططها، وهنا تداعت ألمعية الرئيس الراحل أنور السادات وسبق فكره الكلمات
الموجهة إليه – بنعومة – من كيسجنر وفطن مبكراً إلى أن هناك طلباً في
الطريق إليه بلا جدال لو استجاب له مسرعاً سيكون له عواقب غير حميدة هكذا
فكر الرئيس الراحل أنور السادات “ثعلب الحرب والسلام” مستبقاً ما سيطلب منه
وعزم العزم على الهروب المقنع على الفور بغير تردد وبدأ حديثه ناظراً إلى
هنري كيسنجر قائلاً : تفضل تفضل وهنا تداعت نعومة الثعلب الأمريكي أكثر
فأكثر قائلاً: سيدي الرئيس إنها ترجوك أن تخفف الحكم على”هبة سليم” وهنا
بدأ المشهد على وشك النهاية، وابتسم الرئيس وهز رأسه من أعلى إلى أسفل عدة
مرات متتالية وسريعة وعدل من وضع اتجاه وجهه والتفت إلى هنري كيسنجر
مبتسماً قائلاً في ثقة وسهولة ويسر: عزيزي هنري لقد تم إعدامها وهنا امتعض
وجه هنري كيسنجر ولاحق الرئيس مستفسراً: متى ؟ فكرر الرئيس هز رأسه ورد في
الصباح الباكر من هذا اليوم.
وهكذا ناور الرئيس بذكاء ولباقة وأناقة
بالغة وأغلق الباب بقوة وحزم وقطع الطريق إلى غير رجعة على جولدا مائير
ورسولها في واحدة من أعظم قضايا مقاومة التجسس الإسرائيلي التي أدارها
بمهارة بالغة رجال المخابرات العامة المصرية.
حدوتة مصرية
الجزء الاول
هل حقاً هبة سليم والفتاة اليهودية جمعتها علاقة عاطفية في باريس – القصة كاملة
Post a Comment