عمارة الألغاز والأساطير والمشاهير
حكايات وأسرار من قلب عمارة الإيموبيليا
هل كان الملك فاروق يدخلها متنكراً ، وكيف كان يتعامل نجيب الريحانى مع الخدم والبوابين ، ولماذا كان فريد الأطرش يغنى فى الأسانسير ، وما السبب الذى جعل عبدالوهاب يمنع عبدالحليم من إعطاء البوابين بقشيشاً
حكايات وأسرار دار الحديث عنها مع عم عوض ، أقدم حارس لعمارة الإيموبيليا ، والتى مازالت تقف شامخة فى وسط البلد على ناصيتى شارعى شريف وقصر النيل ، لتشهد على واحدة من أهم فترات مصر التاريخية والفنية.
- بدأ عم عوض ، الرجل السودانى ، الذى تجاوز التسعين من عمره ، حديثه عن تاريخ العمارة قائلاً : الإيموبيليا ليست مجرد عمارة ، ولكنها كانت بمثابة مدينة للنجوم ، فمعظم سكانها كانوا من كبار نجوم الفن والسياسة والقانون ، حيث إنها كانت المكان المفضل لهم فى الأربعينيات والخمسينيات منذ أن شيدها المهندسان " ماكس أذرعى " و" جاستون روسى " عام ١٩٣٨ ، وكانت ضمن ممتلكات أحمد عبود باشا ، أغنى أغنياء مصر وقتها ، حيث كانت تقدر ثروته بـ ٣٠ مليون جنيه ، وأذكر أنه كان رئيساً للنادى الأهلى أيضاً ، وتكلف بناؤها مليوناً و ٢٠٠ ألف جنيه ، وكان رقماً خيالياً فى تلك الفترة.
- هل تذكر أول مرة دخلت فيها العمارة؟
طبعاً ، فهذا شيئ لا يمكن نسيانه ، فرغم مرور الزمن وضعف الذاكرة وكبر السن ، هكذا يقول عم عوض ، ويستطرد ، أنا لا أزال أذكر تفاصيل حياتى وذكرياتى فى " الإيموبيليا " بالرغم من أنى لم أكن الوحيد الذى يعمل فى العمارة ، فقد كان فيها ١٤ بواباً ، رئيسهم يدعى " محمد كركيدى " وهو رجل سودانى الجنسية ، وهذا الرجل كان شقيقاً لوالدتى " خالى " وقد أتيت معه من السودان وأنا طفل لأعمل معه فى العمارة ، وكنت فى البداية عامل مصعد ، ثم بدأت أذهب لأشترى أحتياجات السكان إلى أن تم تعيينى من شركة الإيموبيليا نفسها كعامل مصعد عام ١٩٥٠.
ويضيف ، عشت عمرى كله فى العمارة ، حتى تمت إحالتى للمعاش نظراً لكبر سنى ، وقد رأيت فى هذه العمارة حكايات لها العجب ، وأعلم عنها ما لا يعلمه الكثيرون ، وبالرغم من أنه مازال أثنان من البوابين القدامى على قيد الحياة ، وهما مصطفى عباس وسالم فضل ، إلا أننى أعلم أدق أسرارها ، لأنى كنت الوحيد الذى يسمح له بدخول كل شقق العمارة حتى الشقق الممنوعة على الخدم والبوابين.
- قلت إنها مدينة المشاهير .. هل كان يسمح لك بالتعامل معهم؟
بالتأكيد ، ويكفى أن أقول لك إنه كان بها أكثر من ٣٠ فناناً وفنانة ، منهم، نجيب الريحانى وأنور وجدى و ليلى مراد ومحمود المليجى ومحمد فوزى وعبدالوهاب وماجدة الصباحى ، والتى مازال مكتبها موجوداً هناك حتى الآن ، هذا بخلاف كبار النجوم الذين كانوا يترددون عليها ، مثل أم كلثوم وعبدالحليم حافظ.
- التعامل عن قرب مع النجوم يجعلك تراهم بصورة مختلفة.. ماذا رأيت؟
جداً جداً .. فمعظم النجوم غالباً ما يكونون عكس ما يظهرون على الشاشة تماماً ، وأنا كنت أراهم كلهم وأتعامل معهم بشكل مباشر ، والحقيقة أن فريد الأطرش كان أكثرهم طيبة وأدباً ، حيث إنه كان دائماً ما يأتى إلى العمارة لزيارة أخته أسمهان ، التى كانت تسكن بها ، وكان يتعامل مع البوابين بمنتهى الذوق ، لدرجة أنه كان يغنى لنا فى الأسانسير ، أما أنور وجدى ، الله يرحمه ، فكان رجل لا يطاق ، ودائم الخناق والشجار على أتفه الأسباب ، وطالما عانت زوجته ليلى مراد من شدة بخله وعصبيته ، لدرجة أنه كان يضربها على السلم وأمام الناس ، حتى تركت له العمارة ، وذهبت لتقيم بشقة أخرى فى جاردن سيتى ، بسبب معاملته الوحشية مع كل الناس.
- تردد أن قصة فيلم " غزل البنات " ولدت بالصدفة على باب أسانسير العمارة .. هل حدث ذلك؟
نعم .. فقد كان نجيب الريحانى يسكن فى العمارة ، ومرة التقى صدفة ب ليلى مراد على باب الأسانسير ، فسلم الريحانى عليها ، وأثناء صعودى معهما ، حيث إنها كانت تسكن فى الدور الحادى عشر ، قال لها إنه يتمنى لو قدم معها فيلماً فشكرته ، وعندما دخلت شقتها أخبرت زوجها أنور وجدى ، وقالت ، إن فارق السن الكبير بينها وبين الريحانى لا يسمح بأن يقدما فيلماً معه ، وبعدها بنصف ساعة ، نزل أنور وجدى إلى شقة الريحانى بقصة الفيلم ، ليعرض عليه الفكرة ، وكان هذا الفيلم هو " غزل البنات " وقد أشيع وقتها أن الريحانى وقع فى حب ليلى مراد فعلاً ، ولكنه توفى قبل عرضه للجمهور.
- مع تعاملك مع كل هؤلاء النجوم .. ماهى الشخصية التى لم تنسها ؟
هذا حقيقى فعلاً ، فمن الشخصيات التى مستحيل أنساها الملك فاروق ، فهو الوحيد الذى مازال محفوراً فى ذاكرتى ، فقد كان دائم التردد على العمارة ، وكان رجلاً ضخم البنيان له شارب كثيف ، وكان حين يأتى الى العمارة يرتدى ملابس عادية وقبعة ونظارة سوداء ، وكانوا ينادونه فى العمارة بلقب الخواجة ، لأنه كان يرفض أن يناديه أحد بلقب جلالة الملك أو مولانا ، وكان يقود سيارته بنفسه دون حراسة ، وخلفه من بعيد سيارة أمن ، وكان يأتى بحجة زيارة البرنس إسماعيل باشا حسن ابن عمه ، والذى كان يسكن بالعمارة ، إلا أنه فى الحقيقة كان يأتى لزيارة الفنانة كاميليا ، والتى كانت يهودية الأصل ، وأشيع وقتها أنه يحبها وكان رجلاً كريماً مهذباً ، يتعامل مع الجميع بأدب وذوق ، ومن الشخصيات التى لا أستطيع نسيانها أيضاً الفنان نجيب الريحانى ، والذى كان يسكن فى الدور الثالث شقة ٣٢١ ، وكان من أطيب الناس الذين رأيتهم فى حياتى ، وكان كريم اليد ومتواضعاً إلى أقصى درجة ، وكان يتعامل معنا وكأننا أصدقاؤه ، حتى أنه كان يعطينا دعوات لحضور مسرحياته وأفلامه.
- أم كلثوم .. كيف كانت تتعامل معكم؟
أم كلثوم كانت سيدة لطيفة وبشوشة ، رغم جدية ملامحها ، وكانت دائمة التردد على العمارة لسببين ، أهمهما زيارتها المنتظمة لدكتور إبراهيم عبود ، أشهر طبيب عيون بمصر وقتها ، وكان طبيبها الخاص ، كما أنها كانت تأتى أيضاً لزيارة عبدالوهاب وكمال الطويل ، وكان كل من فى العمارة ، سواء سكان أو عمال ، أعتاد على ظهورها بشكل منتظم ، وكذلك كان الحال بالنسبة لعبدالحليم حافظ ، ولكن حليم كان رقيقاً ويتعامل مع الناس كلها بلطف ، وكان سخياً لأقصى درجة عكس عبدالوهاب ، الذى كان جافاً فى معاملته ، وكان هذا الجفاء جزءاً من شخصيته ، فكان لا يعطى بقشيشاً لأحد ، ولايطلب شيئاً من أحد.
وأذكر أنه فى إحدى المرات ، كان عبدالحليم ينزل مع عبدالوهاب ، فأراد حليم أن يعطينى بقشيشاً ، إلا أن عبدالوهاب نظر إليه نظرة حادة حتى لا يعطينى شيئاً ، وكان محمد فوزى أيضاً لا يختلف عن حليم فى ذوقه وأدبه ، وكان متزوجاً من الفنانة مديحة يسرى ، والتى كانت " هانم " بحق وحقيقى ، فقد كانت قليلة الكلام وصوتها يكاد يكون مسموعاً ، ورغم ذلك لم تتعامل معنا بتعال أو كبرياء ، وكان جميع من فى العمارة ينتظرها ليرى أناقتها وجمالها ، وكذلك كانت تحية كاريوكا ، التى كانت عندما تأتى إلى العمارة ننتظرها جميها لنرى جمالها ، فضلاً عن كونها كانت سيدة شديدة الكرم ، وكانت تعطى بقشيشاً لـ ١٤ بواباً ، الموجودين فى العمارة.
- بخلاف النجوم .. هل كانت هناك شخصيات سياسية تسكن الإيموبيليا؟
كان من أهم سكانها الكاتب الكبير فكرى أباظة ، وتوفيق الحكيم ، وعبود باشا ، مالك العمارة ، وأغنى أغنياء مصر ، حيث إنه كان يملك عدداً من البواخر والسفن ومصانع للحرير وشركة السكر والزيوت ، كما أنه خصص مكتباً لإستقبال لاعبى النادى الأهلى ، مثل صالح سليم وعادل هيكل ، كما أن كل الضباط الأحرار وعلى رأسهم جمال عبدالناصر ، كانوا يأتون إلى العمارة لزيارة أحمد الخواجة فى مكتبه الخاص ، والذى كانت توجد فى مدخل شقته صورة كبيرة للضباط الأحرار يتوسطهم أحمد الخواجة.
- ما حقيقة ما أشيع مؤخراً عن وجود عفاريت فى شقة ليلى مراد ؟
هذا الكلام غير حقيقى على الإطلاق .. فبالرغم من أنى تركت العمارة من زمان ، إلا أننى أعلم أن الشقة تم تأجيرها من سنوات طويلة ، وهناك شخص يسكنها بالفعل ولا توجد بها أى مشاكل
تابعونا في المقال القادم عن عمارة تيرنج بالعتبه وسر حجرة المشنقة
إرسال تعليق